الشروط الموضوعية للخطبة وفق الفقه والقانون

- طرفا الخطبة :  
وهما الخاطب و المخطوبة , و قد يتم التراضي بين أوليائهما على هذا الموضوع .
و قد أباح الشارع للخاطب النظر إلى الخطيبة , و ذلك بأن ينظر إلى وجهها و كفيها , لأنه القدر المباح النظر إليه شرعاً , و هو عنوان الجمال غالباً .
و كما يجوز للخاطب أن ينظر إلى خطيبته يجوز للمخطوبة أن تنظر إلى خاطبها ، بل هي أولى بذلك , لأن الرجل إذا كان يملك حق الطلاق فيما لو لم يمل قلبه إلى زوجته و صعب استمرار المعيشة المشتركة بينهما ، أو نشأ بينهما خصام أو شقاق تعذر فيه الإصلاح بعد بذل الجهد الكافي لذلك ، فإن الزوجة قد يكون حقها بالتفريق أضيق نطاقاً من حق الرجل , و لهذا شرع لها أن تنظر إليه .
و لهذا لم يفرق الشارع في النظر بين الخاطب و الخطيبة , فيحق لكل منهما النظـر إلى الآخر , ضمن حدود و قواعد و مبادئ الشريعة .
و الأصل في هذا حديث روي عن الرسول صلى الله عليه و سلم , وهو أن المغيرة بن شعبة خطب امرأة , فقال له النبي صلى الله عليه و سلم : [ انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما ] ، أي تصلح و تدوم الألفة و المودة و الوفاق بينكما .
و لا بأس من تكرار النظر أكثر من مرة ما دام هذا أمام محرم من محارمها , كأخيها أو أبيهـا , لأن الغاية من النظر يجب أن تتحقق , و هو أن يعرف كل منهما الآخر , فإن تمت الخطبة فلا يجوز تكرار النظر .
و أما النظر إلى غير هذا المقدار الذي أجازه الشارع فلا يجوز , لأنه يمكن للخاطب أن يتعرف إلى بقية صفات خطيبته من خلق و علم و دين و هو بعيد عنها .
و قال بعض الفقهاء يستحسن أن ينظر إليها دون علمها , و ذلك إكراماً لها فيما لو لم تعجبه و خشية أن يقال أمام أقرانها أن فلاناً خطبها أو رآها و لم تعجبه  .
على أنه يجدر بنا أن نلاحظ في هذا الموضوع النقاط التالية : 
1ـ إن النظر إذا لم يكن بقصد الخطبة فهو محرم , و كذلك يحرم فيما لو علم أن أمثاله لا يمكن أن يوافق أهل الخطيبة على زواج فتاتهم منه , لاختلافهما في البيئة أو للظروف الاجتماعية أو لأي سبب آخر .

2ـ ثم إن النظر مقيد بما أبيح له , و ما زاد عن هذا فهو حرام , و لو وجدنا بعض الكتب تتجاوز في تعبيراتها هذا الحد فهو غير صحيح , لأن النصوص الشرعية يجب أن تحمل في فهمها ضمن المبادئ العامة و القواعد الكلية للشريعة ، و النظر هنا استثناء من الأصل و هو التحريم , و لا توسع في الاستثناء .
و في هذا يقف الشارع الإسلامي موقفاً وســطاً بين الجامدين المتزمتين الذين لا يبيحون 
للخاطب النظر إلى من يرغب خطوبتها مع نية الزواج , و بين المتحللين المتحررين الذي يسمحون لبناتهم الاختلاط بخطابهم و معاشرتهم خلاف قواعد الشرع و العقل , مما ينتج عنه أسوأ الآثار حين يلعب التمثيل في هذه الفترة دوره الكبير بينهما ، و تحصد فيه الفتاة ثمار الخيبة و الندم .

2- سن الخطوبة : 
لم يشترط فقهاء الشريعة الإسلامية سناً معيناً للزواج , و بالأولى أن لا يكون أي تحديد لسن الخطبة .
غير أن قانون الأحوال الشخصية السوري حدد سناً للزواج , و أما فيما يتعلق بالخطوبة فلم ينص على سن معين , لأن آثار الخطوبة إذا تمت بالزواج فلا عقد قبل إتمام الشاب الثامنة عشرة من عمره , و الفتاة السابعة عشرة من عمرها , بحسب المادة 16 من  قانون الأحوال الشخصية السوري .

3- صيغة الخطوبة : 
الخطبة - كما ذكرنا - هي طلب الرجل التزوج من امرأة معينة تحل له شرعاً , أو هي إظهار رغبة الرجل في التزوج بامرأة تجوز له شرعاً .
فإذا أجيبت رغبة الرجل بذلك , فوافقت الفتاة أو أهلها على هذا الطلب تمت الخطبة .
و الخطبة هذه قد تكون :
أ)- بعبارة صريحة في طلب الزواج , أو إظهار هذه الرغبة : كما إذا قال لها أريد أن أخطبك لتكوني لي زوجة , أو أرغب بخطوبة ابنتك إذا كان الخطاب موجهاً لأبيها مثلاً , أو بأي لفظ صريح ينبئ عن ذلك .
ب)- و قد تكون هذه الخطبة بطريق التعريض , لا التصريح : كما إذا قال كلاماً يفهم منه أكثر من معنى , و الأمثلة على هذا كثيرة , كما لو قال لها : إني أرغب الزواج من فتاة جميلة مثقفة و كانت هي بهذه الصفات ، أو قال لأبيها إني أرغب خطوبة فتاة من عائلة كريمة , و أن تكون ذات خلق و دين أو ما يشابه هذه الألفاظ , مما يحتمل الخطوبة لفتاة معينة بالذات أو لغيرها .
فما كان اللفظ فيه صريحاً كانت الخطبة بلفظ صريح , و ما كان اللفظ تلميحاً كانت الخطبة بالتعريض لا بالتصريح . و سوف نرى ما يبنى من خلاف هاتين الصيغتين في الخطوبة .
وإن ضابط التفريق بين الخطبة الصريحة والخطبة بالتعريض يتجـلى بـما يـــلـي : 
# تكون الخطبة صريحة إذا كانت بعبارة لا تحتمل إلا معنى الخطبة .
# وتكون الخطبة بالتعريض إذا كانت بعبارة تحتمل أكثر من معـنى واحد , أحد هذه المعاني الخطـبة .

4- محل الخطوبة : 
يشترط في المخطوبة أن تكون ممن تحل شرعاً للخاطب , لأن الخطبة مقدمة للزواج , فمن لا يصح زواجها لا تصح خطوبتها .
و كذلك يشترط في المخطوبة ألا تكون مخطوبة لشخص آخر , و إلا لا تصح الخطوبة لتعلق حق الخاطب الأول .
و على هذا سوف نبحث هذين الأمرين : 
1 ـ أن تكون صالحة للزواج , أي حلاً للخاطب .
2 ـ أن لا تكون مخطوبة لآخر .

ـ أولاً : أن تكون المخطوبة صالحة للزواج , بحيث تحل للخاطب شرعاً : 
و على هذا فلا تصح خطوبة : 
1 ـ من كانت لا تحل له شرعاً , كإحدى محارمه .
2 ـ من كانت زوجة للغير أثناء الخطوبة .
3 ـ من كانت معتدة من طلاق رجعي .
4 ـ و كذلك من كانت معتدة من طلاق بائن .
5 ـ و المعتدة عدة الوفاة .

و النوع الأول لا تجوز فيه الخطبة , لأن المرأة المحرمة - كالأخت مثلاً - لا يجوز العقد عليها و حرمتها مؤبدة . 
و أما في بقية الأنواع فتعتبر الحرمة مؤقتة , فمتى انتهت العدة جازت الخطبة لزوال المانع ، و كذلك زوجة الغير إذا طلقت و انتهت عدتها . 
وهنا لابد من التفصيل :
أ ـ فالمطلقة رجعياً لا تصح خطوبتها لا بالتصريح و لا بالتعريض بإجماع الفقهاء , لأنها لا 
تزال بحكم الزوجة حيث يجوز لزوجها أن يراجعها فيستأنف حياته الزوجية .
ب ـ و أما المعتدة من طلاق بائن , سواء أكان الطلاق مكملاً للثلاث أو غير مكمل :
#  فلا تجوز عند الأحناف خطوبتها لا تصريحاً و لا تعريضاً ما دامت في العدة , لبقاء بعض آثار الزواج , و دفعاً لما قد ينشأ من عداوة بين الزوج المطلق و الخاطب .
# و أما عند جمهور الفقهاء فتجوز خطبتها بالتعريض , لابالتصريح , بالبينونة الكبرى , ( أي إذا كانت معتدة من طلاق بائن بينونة كبرى , أي مكملاً للثلاث , فتجوز خطبتها تعريضاً لا تصريحاً )
#  و أما المعتدة من طلاق بائن بينونة صغرى فتجوز خطبتها تعريضاً عند بعض الشافعية .
و قد اختلف الفقهاء في جواز خطبة المعتدة من خلع على رأيين :  فذهب أكثر الفقهاء إلى عدم جواز ذلك , و قال بعضهم يجوز تعريضاً لا تصريحاً .
ج ـ و أما المعتدة من الوفاة فيجوز لدى الفقهاء أن تخطب تعريضاً لا تصريحاً . 
و دليل مشروعية خطبة المعتدة من وفاة تعريضاً قوله تعالى : 
(( و لا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم )) .
و ذلك بعد قوله تعالى في الآية السابقة : 
(( و الذين يتوفون منكم و يذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر و عشرا )) .
هذا كله إذا لم يكن الخاطب هو المطلق نفسه , و إلا فيجوز له أن يخطبها في أي وقت شاء , لأن المنع كان لحقه لا لحق غيره ، لأن فترة العدة هي فترة دراسة و اختبار , فقد يندم الزوج على فعله , أو قد يتبين له خطأه فيما لو طلق زوجته لذنب ظهر له عدمه .
و أما في عدة الوفاة فقد راعى الشارع حق الزوج المتوفي , و وجوب مراعاة الزوج بعد مماته بالحداد عليه فترة العدة ، فلا تفكر في غير ذلك ما دامت معتدة  .

ـ ثانياً : أن لا تكون الفتاة مخطوبة للغير : 
  فإذا تقدم الشاب لخطوبة فتاة , و كان غيره قد سبقه إلى خطبتها , فلا يجوز له ذلك قبل فسخ الخطوبة , و ذلك لأمرين : 
1 ـ لقوله صلى الله عليه و سلم : [ لا يبع أحدكم على بيع أخيه ، و لا يخطـب على خطبة أخيه , حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له الخاطب ] . 
2 ـ لأن في إقدام الشاب الثاني على خطوبة فتاة مخطوبة فيه اعتداء على حق الغير , و الله لا يحب المعتدين ، لما ينشأ عن هذا من الخصام و الشقاق بين الشابين , و ربما أدى الأمر إلى نزاع بين الأسرتين .
و يلاحظ في الخطوبة ثلاث حالات : 
1 ـ أن يتقدم شخص لخطبة فتاة فيوافق أهلها فتتم بينهما الخطوبة .
2 ـ أن يرفض الأهل طلب الخاطب .
3 ـ أن يسكت أهل الفتاة عن القبول أو الرفض , أي لا يزال الأمر محل دراسة , و هذه حالة تحدث حينما يتقدم الشاب إلى خطوبة فتاة و لم ينل جواباً بعد .
1 ـ  ففي الحالة الأولى : 
لا يجوز لأي شاب أن يتقدم لخطوبة هذه الفتاة , لأنها أصبحت مخطوبة للغير , و الخاطب الأول هو أحق الناس بها.
ففي هذه الحالة لا خلاف بين الفقهاء على عدم جواز خطوبة الفتاة لتعلق حق الغير بها ، إلا أنهم قالوا إذا أذن الخاطب الأول للثاني بهذه الخطوبة صح ذلك , و كانت خطوبته غير محـرمة , لأن الأذن من الأول يعتبر تنازلاً منه , فكأنه فسخ خطوبته ، و ذلك للحديث السابق ذكره .
و يجوز للخاطب الثاني خطوبة هذه الفتاة إذا عدل الأول عن خطوبته ففسخ الخطبة , أو عدلت المخطوبة ، ففي هذه الحالة تصبح الفتاة غير مخطوبة , فكأنها لم تخطب , فلم يتعلق حق الغير بها , فجاز للخاطب الثاني خطوبتها .

2 ـ  و أما في الحالة الثانية : أي إذا رفض أهل الفتاة طلب الشاب الخاطب الأول : 
فيجوز للغير أن يتقدم لخطوبتها , لأنها لا تسمى مخطوبة في هذه الحالة , و إلا كنا أمام إيذاء واضح لكل فتاة يتقدم لخطوبتها شخص ولا يوافق أهلها عليه , فتبقى محرمة عـلى جميع الخطاب ، و هذا ليس من المعقول ، و لهذا جازت خطوبتها لمن يتقدم إليها .
و هذه الحالة الثانية لا خلاف بين الفقهاء على جوازها . 

3 ـ أما الحالة الثالثة : و هي ما إذا تقدم شخص لخطوبة فتاة ولم ينل جواباً بعد , بالرفض أو القبول :
فقد اختلف الفقهاء في جواز تقدم شخص آخر لخطوبة هذه الفتاة :
# قال بعض الفقهاء : لا يجوز للغير أن يخطب هذه الفتاة , أي تأخذ حكم الحالة الأولى ، و هؤلاء الفقهاء هم المالكية و الحنفية , لأن السكوت لأجل التحري عن الخاطب و تعرف أحواله فيه احتمال الموافقة أو الرد ، فإذا أبيح للغير أن يتقدم  لخطوبتها فقد يترتب  على هذا  رفض  طلب الأول فيما لو  كان الثاني أحسن حالاً  منه . 
#  وقال الشافعية : يجوز للغير أن يخطبها , فتأخذ حكم الحالة الثانية , لأن السكوت يعتبر رفضاً ضمنياً لطلب الأول ، و لأن التردد بين القبول و الرفض للخاطب الأول لم يترتب عليه حق له , و لهذا جاز للغير أن يتقدم لخطوبتها .