التشريع كمصدر أساسي من مصادر القانون

 يحتل التشريع المرتبة الأولى بين مصادر القانون الرسمية , إذ يعد المصدر الأصلي للقاعدة القانونية .
ويراد من ذلك أنه يتعين على القاضي أن يلجأ إلى التشريع أولاً للوصول إلى القاعدة القانونية التي تطبق على النزاع المعروض أمامه , ولا يجوز له أن يعدل عنه إلى مصدر آخر إلا إذا لم يجد نصاً في التشريع يحكم النزاع , أو إذا أحال التشريع ذاته على مصدر آخر .
 مثال الحالة الأخيرة : ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة 426 ق.م.س حيث قالت : 
[ لا حق للبائع في الفوائد القانونية عن الثمن إلا إذا أعذر المشتري , أو إذا سلم الشيء المبيع وكان هذا الشيء قابلاً أني ينتج ثمرات أو إيرادات أخرى , هذا ما لم يوجد اتفاق أو عرف يقضي بغيره ] .
فالتشريع بالمعنى المقصود هنا , هو مجموعة القواعد القانونية الصادرة في وثيقة رسمية مكتوبة , عن سلطة عامة مختصة , وفقاً لإجراءات معينة .


 
مزايا التشريع وعيوبه

يتضح لنا مما تقدم أن التشريع يحتل مركز الصدارة بين مصادر القاعدة القانونية في معظم الأنظمة القانونية الحديثة , والواقع أن هذه المكانة التي يحتلها التشريع إنما ترجع إلى مجموعة من العوامل لعل أهمها ما يلي :
1- وجود سلطة مركزية قوية تمتلك سلطة التشريع في كافة أنحاء الدولة : إذ مع اتساع رقعة الدولة وازدياد عدد سكانها تظهر الحاجة إلى وجود سلطة واحدة تتولى عملية سن القوانين . وهذا ما ظهر جلياً منذ عهد حمورابي عندما لجأ إلى تدوين القانون وإصدار مدونته الشهيرة بهدف توحيد القانون الواجب التطبيق بعد أن وحد دويلات بلا ما بين النهرين في دولة واحدة هي الدولة البابلية .
2- اعتماد مبدأ الفصل بين السلطات في الأنظمة القانونية الحديثة : وما يترتب على احترام هذا المبدأ من ضرورة وجود سلطة مختصة تتولى مهمة التشريع في الدولة .
3- انتشار النزعة التدخلية : التي تفترض ضرورة تدخل الدولة في شؤون الأفراد ونشاطاتهم المختلفة حماية للمصلحة العامة . ولا شك أن وسيلة الدولة في التدخل تكون بطريق التشريع , وهذا مما يساعد بطبيعة الحال على تزايد النصوص التشريعية وانتشارها .
بالإضافة إلى هذه العوامل التي أدت إلى تدعيم مركز التشريع بين مصادر القانون المختلفة , فإن أهمية التشريع تستند إلى ما يتمتع به من مزايا تميزه عن بقية مصادر القاعدة القانونية يمكن تحديدها فيما يلي :
أ)- التشريع يضع قاعدة قانونية : يتضمن التشريع مجموعة من القواعد القانونية التي تتصف بصفة العموم والتجريد تستهدف تنظيم السلوك الإنساني وفقاً لغايات وأهداف النظام القانوني النافذ في المجتمع .


ومن هنا جرى الفقهاء على التمييز بين التشريع بالمعنى الشكلي والتشريع بالمعنى الموضوعي :
فكل حكم أو قرار يصدر في صيغة مكتوبة عن السلطة التشريعية يعتبر تشريعاً من الناحية الشكلية ولو لم تتوافر فيه صفة العموم والتجريد .
إلا أنه لا يعتبر تشريعاً من الناحية الموضوعية كل حكم أو قرار تخلفت فيه صفة العموم والتجريد حتى ولو كان هذا الحكم أو القرار صادراً عن السلطة التشريعية .


ويعني هذا أن التشريع لا يعتبر مصدراً رسمياً للقاعدة القانونية إلا إذا توافرت فيه الصفة الشكلية والصفة الموضوعية للتشريع .
فمثلاً لو صدر قرار عن مجلس الشعب يقضي بالموافقة على قرض تعقده الحكومة , أو يقضي بالموافقة على الحساب الختامي لميزانية الدولة أو يصدر تشريع عن مجلس الشعب بإعطاء وسام تقدير لشخص معين بالذات , أو إعلان الحداد الوطني لوفاة شخص أدى خدمات كبيرة للوطن , أو منح امتياز التنقيب عن النفط لشركة من الشركات الأجنبية وما شابه ذلك , فإن هذه القرارات بالرغم من صدورها عن السلطة التشريعية وبالرغم من إطلاق لفظ القانون عليها لصدورها من السلطة التشريعية فإنها لا تعتبر تشريعاً من الناحية الموضوعية , وبالتالي لا تتضمن قواعد قانونية عامة ومجردة , ولا تعتبر كمصدر رسمي من مصادر القاعدة القانونية .


ب)- إصدار القواعد القانونية التشريعية في نصوص مكتوبة : لذلك تأتي القاعدة التشريعية واضحة يتوفر لها من التحديد والضبط ما يكفل تحقيق الاستقرار والطمأنينة في المجتمع , حيث يراعى أن كل فرد من أفراد المجتمع يستطيع معرفة ما له حقوق وما عليه من واجبات .
كما تؤدي عملية الضبط والتحديد في النصوص التشريعية إلى التزام القضاة بأحكامها , لذلك تبقى حقوق الأفراد بمنأى عن التأثر بأهواء القضاة ومصالحهم الخاصة .
ويعتبر صدور التشريع في وثيقة مكتوبة الصفة الأهم التي تميز التشريع عن غيره من المصادر الأخرى , إذ تسمح هذه الصفة بإعطاء التشريع اسماً خاصاً هو النص أو النصوص .
ولا يوجد مصدر من مصادر القانون يمكن التعبير عنه باصطلاح النصوص غير التشريع , حتى أن بعض الفقهاء أمثال الفقيه " كاربونييه " يقترح استخدام اصطلاح النصوص بدلاً من اصطلاح التشريع .


ج)- سهولة سن التشريع وسهولة تعديله أو إلغاؤه : وهذه الميزة تمكن المشرع من تعديله أو إلغائه كلما دعت الضرورة أو الأوضاع الجديدة إلى ذلك بإصدار قواعد قانونية جديدة أو معدلة بما ينسجم مع الواقع الجديد .
وهذه الميزة هي التي تميز التشريع عن العرف الذي يعتبر مصدراً بطيئاً , يدخل الزمن كعنصر أساسي سواء في تكوينه أو تعديله أو إلغاؤه .


د)- سهولة إثبات وبيان تاريخ إلغائه : يرد التشريع في وثيقة رسمية مكتوبة , لذلك يسهل التحقق من وجوده أو تحديد تاريخ بدء نفاذه أو تاريخ إلغائه , فتسود الطمأنينة والأمن في المجتمع وتستقر المعاملات بين الأفراد .
وهذا على خلاف العرف الذي يعتبر عادة درج الناس على التعامل بها أو فكرة تستقر في الأذهان دون أن تأتي في صيغة مكتوبة , ويترتب على ذلك صعوبة في إثبات وجوده , كما قد يثور النزاع حول تاريخ تكوينه أو انتهائه , مما يؤدي إلى الدخول في الفوضى وعدم الاستقرار في المعاملات .


هـ)- التشريع وسيلة لتحقيق وحدة القانون في الدولة : يعد التشريع الوسيلة الفعالة , وأيسر السبل لضمان وحدة القانون في الدولة الذي يعد ركيزة أساسية من ركائز وحدة الدولة , ذلك لأنه يضع قواعد تطيق على أفراد المجتمع كافة في شتى أنحاء الدولة .
وهذا بخلاف القواعد القانونية العرفية التي تختلف من منطقة إلى أخرى داخل الدولة الواحدة .

وبالرغم من هذه المزايا التي تبرر تبوأ التشريع مركز الصدارة بين مصادر القانون المختلفة , إلا أنه لا يمكن تجاهل عيوبه التالية :
1- يعاب على التشريع أنه إذا كانت صياغته في نصوص مكتوبة تؤدي إلى وضوحه واستقراره إلا أنها تؤدي من ناحية أخرى إلى جموده , فيصبح غير قادر على مواكبة التطور طالما أنه يضع القواعد القانونية في نصوص مكتوبة ثابتة ومستقرة , بخلاف العرف الذي يتصف بالمرونة ومسايرة حاجات الأفراد .
2- ويعاب على التشريع أيضاً أنه قد يأتي قاصراً على تلبية حاجات الأفراد في المجتمع طالما أنه يوضع من قبل سلطة مختصة قد لا توفق في تحديد ظروف المجتمع وتقدير حاجاته , بخلاف العرف الذي ينشأ في ضمير الجماعة من تعامل الأفراد وحسب ما تقتضيه حاجاتهم وظروفهم .
و يلاحظ أن هذه العيوب بالرغم من صحتها إلا أنها لا تنال من مركز الصدارة التي يحتلها التشريع استناداً لمزاياه السابقة .

 

سـن التشريع 

إن الدولة هي المختصة في سن التشريعات وإلغائها , إلا أن الهيئات التي تملك هذه الصلاحية تختلف باختلاف شكل الحكم في الدولة وباختلاف النظام الأساسي للسلطات العامة فيها .
وتختلف طريقة سن التشريع باختلاف نوعه , إذ تتعدد أنواع التشريعات وتتفاوت أهميتها تبعاً لأهمية الموضوعات التي تتناولها .
 وهكذا يمكن التمييز بين ثلاثة أنواع هي : 
1- التشريع الأساسي " الدستور " .
2- التشريع العادي .
3- التشريع الفرعي .


أولاً : التشريع الأساسي " الدستور " :

يعتبر الدستور التشريع الأسمى , لأن النظام القانوني في الدولة إنما يقوم بكامله عليه , فهو المصدر القانوني لجميع السلطات والاختصاصات .
كما أنه يعتبر أساساً لأي نشاط تقوم به الدولة .
وما دام الدستور هو المصدر القانوني لجميع السلطات والاختصاصات , أضحى من الطبيعي أن يكون أعلى مرتبة من كافة الهيئات المكلفة بممارسة هذه السلطات والاختصاصات , وبالتالي فهي لا تملك أن تخالف أحكام الدستور بدون أن تهدم الأساس القانوني لاختصاصها وسلطاتها .


أ- السلطة المختصة بسن الدستور :
إن وضع الدستور يفترض وجود هيئة أو سلطة تأسيسية أصلية مستقلة عن السلطات العامة في الدولة , تتولى هذه السلطة مهمة سن الدستور , وتظهر هذه السلطة عندما لا يوجد دستور أصلاً ( قيام دولة جديدة ) , أو لم يعد من وجود للدستور ( نتيجة ثورة أو انقلاب ) .
وأياً كان الأسلوب المتبع في سن الدستور فهو بالتأكيد عمل إرادي يفترض وجود سلطة تأسيسية أصلية متمثلة في الحاكم المطلق , أو في الحاكم والشعب , أو في الشعب وحده , تملك مطلق الحرية في مهمتها في سن الدستور ووضع أحكامه , دون الالتزام بأية نصوص أو قواعد مسبقة .


ب- أساليب سن الدستور :
تختلف الأساليب المتبعة في سن الدستور باختلاف أنظمة الحكم والظروف والأوضاع السياسية التي يسن فيها . وهكذا يمكن التمييز بين نوعين من الأساليب المتبعة في سن الدستور :
1- الأسلوب غير الديمقراطي : ويتم في صورتين : 
إحداهما تتمثل في أن يسن الدستور بطريق المنحة من الحاكم إلى شعبه .
والثانية أن يأتي الدستور في صورة عقد أو اتفاق بين الحاكم وشعبه . 


2- الأسلوب الديمقراطي : وتيم في صورتين أيضاً :
إحداهما بواسطة هيئة منتخبة من قبل الشعب تقتصر مهمتها على سن الدستور وتسمى الجمعية التأسيسية , أو المجلس التأسيسي .
والثانية تتم بطريق التصويت الشعبي المباشر على مشروع موضوع من قبل هيئة أو لجنة خاصة , ومثالها الدستور السوري الدائم لعام 1973 .

 

ثانياً : التشريع العادي :

و يقصد به ما تسنه السلطة التشريعية في الدولة من قواعد في حدود اختصاصها المبين في الدستور .وهذا التشريع يلي التشريع الدستوري في المرتبة .
ــ السلطة المختصة بسن التشريع العادي :
إن سن التشريع العادي هو من اختصاص السلطة التشريعية التي يمثلها غالباً مجلس منتخب , وهو ما يطلق عليه في سورية اسم مجلس الشعب .
على أنه إذا كان الأصل هو أن تقوم السلطة التشريعية بسن التشريع العادي إلا أن الدساتير تنص عادة على اشتراك رئيس الدولة مع السلطة التشريعية في هذه المهمة بما تعطيه من حق اقتراح القوانين أو الاعتراض عليها أو إصدارها .
ففي فرنسا يتمتع رئيس الجمهورية باختصاصات ذات طبيعة تشريعية في ظل دستور الجمهورية الخامسة لعام 1958 , فهو يتمتع بهذه السلطة بالنسبة للمستعمرات الفرنسية , كما أنه يمارسها استثناءً عن طريق الاستفتاء الشعبي , ومن أجل معالجة الظروف الطارئة التي تهدد المؤسسات الجمهورية أو استقلال الأمة أو سلامة أراضي الجمهورية أو تنفيذ التعهدات الدولية .
أما في مصر فيستطيع رئيس الجمهورية أن يباشر سلطة التشريع وفقاً لأحكام المادة 147 من الدستور المصري لعام 1971 , إذ نصت على أنه : إذا حدث في غيبة مجلس الشعب ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير جاز لرئيس الجمهورية أن يصدر في شأنها قرارات تكون لها قوة القانون .

أما في سوريا فقد أعطى الدستور السوري النافذ لعام 1973 لرئيس الجمهورية صلاحية المشاركة في العمل التشريعي في عدة حالات هي :
الحالة الأولى :
يتولى رئيس الجمهورية سلطة التشريع خارج انعقاد دورات مجلس الشعب على أن تعرض جميع التشريعات التي يصدرها على المجلس في أول دورة انعقاد له .


الحالة الثانية :
يتولى رئيس الجمهورية سلطة التشريع أثناء انعقاد دورات المجلس إذا استدعت ذلك الضرورة القصوى المتعلقة بمصالح البلاد القومية أو بمقتضيات الأمن القومي على أن تعرض هذه التشريعات على المجلس في أول جلسة له .
ولمجلس الشعب في الحالتين السابقتين حق إلغاء أو تعديل هذه التشريعات وذلك بأكثرية ثلثي أعضائه المسجلين لحضور الجلسة على ألا يقل عن أكثرية أعضائه المطلقة , دون أن يكون لهذا التعديل أو الإلغاء أثر رجعي , وإذا لم يلغها المجلس , أو يعدلها اعتبرت مقرةً حكماً ولا حاجة لإجراء التصويت عليها .


الحالة الثالثة :
يتولى رئيس الجمهورية سلطة التشريع في المدة الفاصلة بين ولايتي مجلسين ولا تعرض هذه التشريعات على مجلس الشعب ويكون حكمها في التعديل أو الإلغاء حكم التشريعات العادية النافذة.


الحالة الرابعة :
لرئيس الجمهورية إصدار التشريع بالعفو الخاص وإعادة الاعتبار .


الحالة الخامسة :
لرئيس الجمهورية استفتاء الشعب في القضايا الهامة التي تتصل بمصالح البلاد , وبالطبع يمكنه استفتاء الشعب على نصوص قانونية , كما أنه يستطيع في حال قام خطر جسيم يهدد الوحدة الوطنية أو سلامة البلاد أو استقلال أرض الوطن أو يعوق مؤسسات الدولة عن مباشرة مهامها الدستورية أن يتخذ كل الإجراءات السريعة التي تقتضيها هذه الظروف لمواجهة الخطر .
وهذه الاختصاصات جميعها يمارسها رئيس الجمهورية عن طريق إصدار مراسيم تشريعية .


- الخطوات التي يجب أن تتخذ حتى يصبح التشريع العادي نافذاً وملزماً :


1- الاقتراح :
يعد اقتراح التشريع المرحلة الأولى من مراحل سنه , وتتم هذه المرحلة بوضع مشروع لقواعد قانونية يعرض على مجلس الشعب للنظر في إقراره .
ويلاحظ أن حق اقتراح التشريع العادي إنما يثبت بموجب أحكام المادة 110 من الدستور لرئيس الجمهورية .
و يسمى الاقتراح الذي يتقدم به رئيس الجمهورية " مشروع قانون " .
كما يثبت هذا الحق لأعضاء مجلس الشعب بمقتضى أحكام المادة 70 من الدستور السوري النافذ .
واشترطت المادة 97 من النظام الداخلي لمجلس الشعب أن يقدم الاقتراح من قبل 10 أعضاء على الأقل , ويعني هذا ضرورة أن يقدم الاقتراح بقانون من 10 أعضاء على الأقل أو يقدم من أحد الأعضاء ويؤيد الاقتراح من 10 أعضاء على الأقل , ويجب أن يبقى هذا النصاب متوفراً حتى انتهاء الإجراءات التشريعية بحيث إذا سحب مقدموا الاقتراح بقانون - كلهم أو بعضهم - اقتراحهم يفقد معه النصاب الخاص بتقديمه ويطوى الاقتراح إلا أذا تبناه العدد الكافي من الأعضاء. 


2- الإقرار " المناقشة والتصويت " :
يحال مشروع القانون أو الاقتراح بقانون إلى اللجان المختصة في مجلس الشعب لفحصه ووضع تقرير عنه , ثم يتم طرح مشروع القانون أو الاقتراح بقانون مع تقرير اللجان المختصة على المجلس للمناقشة أولاً , ثم التصويت عليه . 
ويتخذ المجلس قراراته بالأغلبية المطلقة للحاضرين , وذلك في غير الحالات التي تشترط فيها أغلبية خاصة كتلك المتعلقة بإعادة التصويت على التشريع بعد اعتراض رئيس الجمهورية عليه , إذ يحتاج في هذه الحالة لإقراره إلى أغلبية ثلثي أعضاء مجلس الشعب .


3- الإصدار :
إذا كان إقرار التشريع يؤدي إلى وجوده فعلياً , فإن إصدار التشريع يؤدي إلى وجوده وجوداً رسمياً .
وعليه يقصد بإصدار التشريع إثبات وجوده بشكل رسمي ووضعه موضع التنفيذ من قبل السلطة التي تملك هذا الحق وهي السلطة التنفيذية ممثلة برئيس الجمهورية , حيث يتولى رئيس الجمهورية إصدار التشريع بصفته رئيساً للسلطة التنفيذية ويحق له الاعتراض على هذه التشريعات بقرار معلل خلال شهر من تاريخ ورودها إلى رئاسة الجمهورية , فإذا أقرها مجلس الشعب مرة ثانية بأغلبية ثلثي أعضائه فإن الإصدار يصبح واجباً على رئيس الجمهورية , أي أنه لا يجوز الامتناع عنه أو تأخيره , لذلك نقول إن إصدار التشريع هو حق لرئيس الجمهورية , وواجب عليه .


وطالما أن الإصدار عمل تنفيذي لا عمل تشريعي فإنه يحقق الفوائد التالية :
أ- يمكن رئيس الجمهورية من مراقبة التشريعات الصادرة عن مجلس الشعب , ويتيح له الاعتراض عليها إذا ارتأى ضرورة لذلك .
ب- إن عملية الإصدار تضمن إلى حد كبير احترام مبدأ الفصل في السلطات , فإذا كان مضمون الإصدار يتمثل في وضع التشريع موضع التنفيذ بتكليف رجال السلطة التنفيذية بتنفيذه , فإن هذا التكليف يتم بأمر من رئيس الجمهورية الذي هو في الوقت ذاته رئيس للسلطة التنفيذية وليس بأمر من السلطة التشريعية .
ومرحلة الإصدار لا تطرح بصدد الدستور أو ما يعرف بالتشريع الأساسي عندما يتم وضعه بطريقة ديمقراطية , سواء من خلال جمعية تأسيسية منتخبة أو عن طريق الاستفتاء العام , لأن السلطة الشعبية التي تضع الدستور هي التي تنشئ السلطات الثلاث التنفيذية والقضائية والتشريعية , وبذلك لا تكون بحاجة إلى الاستعانة برئيس السلطة التنفيذية لجعل الدستور قابلاً للتنفيذ .
كما أن التشريع الفرعي " الأنظمة والقرارات " توضع أصلاً بواسطة السلطة التنفيذية , وبالتالي لا تحتاج إلى إصدار , لأن السلطة التي وضعته هي التي تقوم بتنفيذه , فلا يكون هناك معنى لأن تصدر هذه السلطة إلى نفسها أمراً بتنفيذ التشريع الذي وضعته .


4- النشر : 
نشر التشريع عمل يقصد به إحاطة الأفراد علماً بوجود تشريع جديد , أو على الأقل إتاحة الفرصةلهم للعلم به .
والنشر يجعل التشريع نافذاً ملزماً , لأن العدالة تقتضي بألا يصير القانون كذلك إلا إذا علم به الناس , أو على الأقل إذا اعتبر أنه معلوم . فالغرض من نشر القوانين هو إيصالها إلى علم الناس بعد إصدارها .
أما الوسيلة التي حددها الدستور للقيام بنشر التشريع , فهي النشر في الجريدة الرسمية للدولة , ولا تغني عن هذا النشر أية وسيلة أخرى لافتراض العلم بالتشريع , ولو كانت أجدى من الجريدة الرسمية للعلم به , كالنشر في الصحف اليومية , أو في الإذاعة والتلفزيون , أو في أية وسيلة من وسائل الإعلام الأخرى .
كما لا يغني عنها حتى العلم الشخصي , كما لو أن أحد الأفراد كان موظفاً في رئاسة الجمهورية ومختصاً بعرض التشريعات على رئيس الجمهورية لإصدارها , فإن علمه الشخصي لا يصلح أساساً لإلزامه بحكم هذا التشريع ما دام لم ينشر .
على أن النشر في الجريدة الرسمية لا يعني أن التشريع يصبح نافذاً وملزماً بمجرد نشره , بل يبدأ نفاذه بعد مضي فترة زمنية محددة بنص القانون من حصول النشر ليتسنى للناس العلم به. 
وقد يكون أيضاً وجوب العمل بالتشريع بعد نشره معلقاً على أمر آخر , كإصدار اللائحة التنفيذية له من الجهة المختصة .
وفي سورية يبدأ نفاذ التشريع بعد مضي يومين كاملين ابتداء من تاريخ استلام الجريدة الرسمية التي نشر فيها من قبل رئاسة مجلس الوزراء , في محافظة دمشق , ومن قبل رئيس ديوان المراسلات في المحافظات .
( إذاً يجوز النص في التشريع على ألا يعمل به إلا بعد مضي مدة من الزمن ) .
فإذا تحقق النشر بهذه الصورة لا يجوز بعدها لأي شخص أن يحتج بجهله ليتخلص من تبعة مخالفته لأحكامه .


ونظراً لأن النشر هو الوسيلة التي يتحقق بها العلم , أو على الأقل افتراض العلم به , فإنه إذا حالت قوة قاهرة دون وصول الجريدة الرسمية نهائياً إلى منطقة من مناطق الدولة , كحالة الفيضانات العارمة أو الحرب فإن ذلك يؤدي إلى استحالة العلم به ويحول دون افتراض العلم به , لذلك لا يكون التشريع ملزماً للأشخاص المقيمين في هذه المنطقة بالذات .
وإذا كان نشر التشريع العادي والتشريع الفرعي شرطاً أساسياً لنفاذه فهو ليس كذلك بالنسبة للدستور , بل يكفي على سبيل المثال إعلان نتيجة الاستفتاء بأية طريقة حتى يصبح نافذاً .
وحتى لا تتحكم السلطة التنفيذية في نفاذ التشريع وتعطل نشره من الأفضل تضمين الدستور نصاً يحدد مهلة معينة يجب النشر خلالها , كما هو الحال في الدستور المصري النافذ , إذ نصت المادة 188 منه على أن : 
[ تنشر القوانين في الجريدة الرسمية خلال أسبوعين من يوم إصدارها ويعمل بها بعد شهر من اليوم التالي لتاريخ نشرها إلا إذا حدد لذلك ميعاداً آخر ] .


ثالثاً : التشريع الفرعي:

و يقصد به ما يصدر عن السلطة التنفيذية من قرارات تتضمن قواعد عامة مجردة. 
و هذه القرارات تصدرها السلطة التنفيذية بالاستناد إلى نص قانوني أو بهدف تنفيذ القوانين باعتبار ذلك يدخل في اختصاصها الأصلي الذي تستمده من الدستور مباشرة . 
و هذه الأنظمة و القرارات لا تمر بالمراحل التي يمر بها التشريع العادي باستثناء مرحلة النشر . إذ لا تصبح نافذة إلا من تاريخ نشرها في الجريدة الرسمية . 
أما ما تصدره السلطة التنفيذية من قرارات عادية أو فردية فإنها لا تتضمن قواعد قانونية عامة بل تخص أشخاص معينين بالذات و بالتالي تخرج عن نطاق دراستنا للنظرية العامة للقانون و يمكن أن نميز في هذا الصدد بين : 


1- المراسيم التنظيمية :

و هي قرارات إدارية تتضمن وضع قواعد قانونية عامة غير شخصية تصدر عن رئيس الجمهورية , إما ضمن حدود اختصاصاته , و إما لاستكمال الأحكام القانونية بأحكام أخرى تفصيلية بغاية تامين تنفيذها و تطبيقها .
و قد نصت المادة 99 من الدستور السوري النافذ على أن ( يصدر رئيس الجمهورية المراسيم و القرارات و الأوامر وفقاً للتشريعات النافذة , و مثالها صدور اللائحة التنفيذية لقانون الإدارة المحلية .بالمرسوم التنظيمي رقم 2297 تاريخ 28/9 /1971 . 
أما المراسيم العادية أو الفردية التي تصدر عن رئيس الجمهورية فلا تتضمن قواعد قانونية أي لا تتضمن قواعد عامة مجردة بل قواعد تخص شخصاً معيناً أو حالة معينة , كمرسوم تعيين و تسريح بعض الموظفين المدنيين أو العسكريين و المراسيم المتعلقة بتحديد شواطئ البحر و الأنهر و عمق المياه الإقليمية , و المراسيم الخاصة بمنح الامتيازات المختلفة على أملاك الدولة الخاصة أو تحويل أملاك الدولة العامة إلى أملاك دولة خاصة . أو مرسوم تسمية أعضاء مجلس الشعب بعد أن يتم انتخابهم. 


2- القرارات التنظيمية :

 هي القرارات الإدارية الصادرة عن مجلس الوزراء و المحافظين و المدراء العامين و غيرهم ممن يملك حق إصدار قواعد عامة .و مثالها : القرار التنظيمي رقم 23 السنة 1981 الصادر عن وزير الشــــؤون الاجتماعية و العمل بشأن تحديد الحد الأقصى لساعات العمل في بعض المهن .