الذمة المالية حسب القانون المدني


أولاً : مفهوم الذمة المالية:

الذمة المالية هي مجموع ما للشخص وما عليه من حقوق والتزامات مالية حاضرة ومستقبلة .
ومن هذا التعريف يتبين لنا أن الذمة المالية تتكون من عنصرين : 
A- عنصر إيجابي وهو مجموع الحقوق المالية التي تكون للشخص ؛
B- وعنصر سلبي وهو مجموع الالتزامات المالية التي تترتب على الشخص .


و الذمة المالية لا تشمل الحقوق والالتزامات المالية الحاضرة فحسب , بل المستقبلة أيضا , ولذلك شبهها البعض بوعاء تنصب فيه الحقوق والالتزامات المالية التي تعود للشخص , وهذه الحقوق والالتزامات قد تتغير باستمرار فيزول بعضها ويحل غيرها محلها دون أن يؤثر ذلك على مفهوم الذمة المالية نفسها .
كما أن الذمة المالية لا تحتوي إلا الحقوق والالتزامات المالية , فلا يدخل في العنصر الايجابي للذمة المالية سوى الحقوق المالية , كالحقوق العينية والحقوق الشخصية , ولا يدخل في العنصر السلبي لها سوى الالتزامات المالية , كالالتزام بدفع مبلغ من المال أو بالقيام بعمل .
وعلى هذا لا تدخل في نطاق الالتزامات المالية الحقوق السياسية و حقوق الشخصية والواجبات غير المالية .


ثانياً : طبيعة الذمة المالية :


ظهرت نظريتان متعارضتان في خصوص طبيعة الذمة المالية , هما : النظرية التقليدية , ونظرية ذمة التخصيص 


1 ـ النظرية التقليدية : 

تنسب هذه النظرية إلى الفقيهين الفرنسيين أوبري و رو .
وهي تقوم على أساس ارتباط الذمة المالية بالشخصية , ولذلك سميت بنظرية الشخصية . فهي تنظر إلى الذمة باعتبارها المظهر أو الجانب المالي للشخصية .
ويترتب على هذه النظرية النتائج الآتية :
أ-لكل شخص ذمة مالية : مادامت الذمة المالية هي المظهر المالي للشخصية فكل كائن يتمتع بالشـخصية القانونية لا بد أن تكون له ذمة مالية , حتى ولو لم يكن له أي حق أو عليه أي التزام , فالطفل اللقيط الذي يعثر عليه عارياً له ذمة مالية , لأن له شخصية قانونية .
ب- لا توجد ذمة بغير شخص تستند إليه : مادامت الذمة المالية هي المظهر المالي للشخصية فلا يتصور أن تكون هناك ذمة لا تسند إلى شخص , سواء أكان شخصا طبيعيا أم شخصا اعتباريا .
ج- الذمة المالية واحدة لا تتجزأ ولا تتعدد : ما دامت الشخصية واحدة لا تتعدد , فالذمة كذلك واحدة لا تتعدد , فوحدة الذمة نتيجة لكونها جانباً من جوانب الشخصية , فالشخص لا يكون له سوى ذمة واحدة لأنه لا يمكن أن تكون له إلا شخصية واحدة .
د- الذمة المالية مجموعة قانونية مجردة ومستقلة عن العناصر المكونة لها : ما دامت الذمة هي الجانب المالي للشخصية , وما دامت الشخصية هي الصلاحية لاكتساب الحقوق والتحمل بالالتزامات , فإن الذمة لا تتكون من مجموعة واقعية قائمة من الحقوق والالتزامات المالية , بل هي مجموعة احتمالية لما يوجد للشخص من هذه الحقوق والالتزامات في الحاضر وفي المسـتقبل , فلا يتأثر وجود الذمة بوجود العناصر أو بأي تغيير يحدث فيها , فهي كالوعاء الذي يوجد مستقلا عن مضمونه ومحتوياته .


وما دامت الذمة هي مجموعة قانونية مستقلة عن العناصر المكونة لها فلا يتصور التصرف بالذمة أو النزول عنها في مجموعها , وإنما يرد التصرف أو النزول على مفرداتها أو عناصرها القائمة في وقت معين .
ويعتبر عدم قابلية الذمة المالية للتصرف فيها أو النزول عنها نتيجة حتمية لارتباطها بالشخصية , لان الشخصية بدورها تعتبر غير قابلة للتصرف فيها أو النزول عنها .


2- نظرية ذمة التخصيص : 

ترجع هذه النظرية إلى بعض الفقهاء الألمان , وهي تقوم على أساس الفصل التام بين الذمة المالية والشخصية القانونية .
فالذمة عند أنصار هذه النظرية لا تقوم على أساس الشخصية , بل تقوم على أساس آخر هو التخصيص لغرض معين , ولذلك فالعبرة في وجود الذمة ليس بوجود شخص تسند إليه , وإنما بوجود مجموعة من الأموال مخصصة لتحقيق غرض معين , فكلما وجدت مجموعة من الأموال مخصصة لغرض معين أمكن القول بوجود ذمة مالية ولو لم تكن مستندة إلى شخص .
وقد أراد أنصار هذه النظرية من وراء هذا التصوير الاسـتغناء عن فكرة الشخص الاعتباري :
فهم يرون أن الشخصية القانونية لا تثبت إلا للإنسان وكل اعتراف بهذه الشخصية لمجموعات الأموال أو الأشخاص كالشركات والمؤسسات والجمعيات هو مجرد افتراض يخالف الواقع , لأنه يعني نسبة الحقوق والالتزامات التي تتعلق بنشاط هذه المجموعات إلى شخص افتراضي لا وجود له , ولما كان الهدف من هذا الافتراض البحت هو إمكان الاعتراف لهذه المجموعات من الأموال أو الأشخاص بذمة مالية مستقلة عن ذمة أعضائها أو المنتفعين بها , فإنه يمكن الوصول إلى هذه النتيجة عن طريق الفصل بين الذمة والشخصية واعتبار الذمة موجودة في كل مجموعة من الأموال خصصت لتحقيق غرض معين دون أن تستند في وجودها إلى شخص ما .
ويترتب على هذه النظرية نتائج مغايرة تماما لنتائج النظرية التقليدية .
أ- إمكان وجود الذمة دون شخص تنتمي إليه : فقد توجد الذمة المالية دون أن يوجد شخص تسند إليه , حيث يكفي لوجودها وجود مجموعة من الحقوق والالتزامات المالية المخصصة لغرض معين .
ب- إمكان وجود شخص دون أن تكون له ذمة : ما دامت الذمة هي مجموع من الحقوق والالتزامات المالية المخصصة لغرض معين , فيمكن تصور شخص ليس له حق وليس عليه التزام , فلا تكون له ذمة . 
ج- إمكان تعدد الذمة لدى الشخص الواحد : فلا يلزم أن تكون الذمة واحدة كالشخصية , بل يجوز أن يكون للشخص أكثر من ذمة , فتتعدد الذمم بتعدد الأغراض التي تخصص لها أمواله .
د- إمكان انتقال الذمة : فلا يلزم أن تكون الذمة كالشخصية غير قابلة للتصرف فيها , بل يمكن أن تنتقل الذمة من شخص إلى آخر بالميراث أو بالتصرف .


- تقدير النظريتين:

أ ) يؤخذ على النظرية التقليدية غلوها في الربط بين فكرة الشخصية القانونية وفكرة الذمة المالية , الأمر الذي يؤدي إلى نتائج غير مقبولة , فإقامة الذمة على أساس الشخصية هو الذي دفع أنصار النظرية التقليدية إلى القول بأن لكل شخص ذمة مالية حتماً , في حين أنه يجب التمييز بين الشـخصية باعتبارها قابلية أو صلاحية الشخص لأن يكون له حقوق أو عليه التزامات , و بين الذمة المالية باعتبارها مجموع ما للشخص من حقوق وما عليه من التزامات .
ومن ثم لا يتحتم أن يكون لكل شخص ذمة مالية , فوجود شخص ليس له حقوق أوعليه التزامات وإن كان نادراً إلا أنه متصور , وفي نطاق هذا التصور لا يجوز أن تسند للشخص ذمة حين لا تكون له ذمة بالفعل .
كما أن الخلط بين الشخصية والذمة دفع بأنصار النظرية التقليدية إلى اعتبار الذمة واحدة لا تتعدد ولا تتجزأ , وهذه النتيجة لا تتفق مع ما تقره القوانين من استقلال بعض أموال الشخص عن البعض الآخر في حالات معينة , بحيث تتجزأ فيها ذمة الشخص تحقيقا لأغراض معينة :
فقد تخضع بعض أموال الشخص والتزاماته لأنظمة قانونية خاصة تختلف عن الأنظمة القانونية العامة التي تخضع لها بقية أمواله . 


من ذلك مثلاً أن التركة التي تؤول إلى الوارث تخضع لنظام قانوني يختلف عن النظام القانوني الذي يحكم أمواله الأخرى , فبمجرد مـوت المورث تنتقل أمواله والتزاماته إلى الوارث , ولكن لا يسـأل الوارث عن ديون مورثه إلا في حدود ما تركه هذا المورث من أموال , فلا يقوم بسداد ديون التركة من أمواله الخاصة الأخرى .
و بذلك يكون للوارث ذمتان : ذمته الأصلية , وذمة أخرى منفصلة عنها هي ذمة مورثه التي آلت إليه بالميراث , وهذه الذمة المنفصلة يتكفل جانبها الإيجابي بتسديد جانبها السلبي , فلا يكون الوارث مسؤولاً في ذمته الأصلية عن وفاء ديون الذمة الموروثة . 


ب ) وبالنسبة لنظرية ذمة التخصيص , فيؤخذ عليها مغالاتها في الفصل بين الذمة والشخصية , وهذه المغالاة هي التي دفعت أنصار هذه النظرية إلى القول بإمكان وجود ذمة لا تستند إلى شخص من الأشخاص , فمثل هذا القول يتعارض مع ما هو مسلم في القوانين الحديثة من أن الحقوق والالتزامات لا توجد إلا مستندة إلى شخص من الأشخاص , سواء أكان هذا الشخص طبيعياً أم اعتبارياً .
كما أن اعتراف التشريعات الحديثة للشخصية القانونية للأشخاص الاعتبارية قد أفقد هذه النظرية علة نشوئها الأساسية , لأنها نشأت أصلا على أساس إنكار فكرة الشخصية الاعتبارية .


وبالرغم من ذلك فإن نظرية ذمة التخصيص قد أفادت في تمييز بعض أموال الشخص بإخضاعها لأنظمة قانونية خاصة تكفل تحقيق الغرض الذي خصصت له ...
فقد رأينا أن هناك حالات تتجزأ فيها ذمة الشخص تحقيقاً لأغراض معينة . ويرى بعض الفقهاء في مثال التركة وفي غيرها من الحالات أمثلة على تعدد الذمة المالية لدى الشخص الواحد تبعاً لتخصيص جزء من أموال الشخص لغرض معين , بحيث يتميز هذا الجزء عن بقية أموال الشخص .