عوارض الأهلية وما يطرأ على الأهلية من تغييرات

عوارض الأهلية هي أمور أو أوصاف تعرض للشخص فتؤثر على تمييزه , وبالتالي على أهليته . وهذه العوارض :
إما أن تؤدي إلى انعدام الأهلية , كما في حالتي الجنون والعته .
وإما أن تؤدي إلى الانتقاص من هذه الأهلية , كما في حالتي السفه والغفلة .
وقد نصت على هذه العوارض المادة 114 من القانون المدني السوري بقولها :
" المجنون والمعتوه وذو الغفلة والسفيه تحجر عليهم المحكمة وترفع الحجر عنهم وفقا للقواعد وللإجراءات المقررة في القانون " . 


1 ـ الجنون والعته :

الجنون هو اضطراب يصيب العقل فيجعل الشخص فاقد التمييز .
أما العته فهو خلل يعتري العقل فيجعل الشخص قليل الفهم مختلط الكلام فاسد التدبير دون أن يصل إلى مرتبة الجنون 
وقد سوى القانون بين المجنون والمعتوه في الحكم واعتبر كلاً منهما فاقد الأهلية كالصبي غير المييز .
وقد نصت على ذلك الفقرة الأولى من المادة 47 من القانون المدني السوري بقولها : " لا يكون أهلا لمباشرة حقوقه المدنية من كان فاقد التمييز لصغر في السن أو عته أو جنون " . 
ويشترط القانون المدني السوري لاعتبار المجنون والمعتوه فاقدي الأهلية , وبالتالي اعتبار تصرفاتهما باطلة , أن يكون التصرف قد صدر بعد شهر قرار المحكمة بالحجر عليهما . وبهذا قضت المادة 115 من القانون المدني السوري بقولها :
" 1 ـ يقع باطلا تصرف المجنون والمعتوه إذا صدر التصرف بعد شهر قرار الحجر .
 2 ـأما إذا صدر التصرف قبل شهر قرار الحجر فلا يكون باطلا إلا إذا كانت حالة الجنون أو العته شائعة وقت التعاقد أو كان الطرف الآخر على بينة منها " .


ويتبين من هذا النص أن القانون المدني فرق في الحكم بالنسبة لأهلية المجنون أو المعتوه بين تصرفات المجنون أو المعتوه اللاحقة لشهر قرار الحجر عليه , وبين تصرفاته السابقة لشهر قرار الحجر :
فإذا صدر تصرف من المجنون أو المعتوه بعد شهر قرار المحكمة بالحجر عليه وقع هذا التصرف باطلاً بطلاناً مطلقاً , سواء أكان من التصرفات النافعة نفعاً محضا أم الضارة ضرراً محضاً أم الدائرة بين النفع والضرر , ويظل الأمر كذلك إلى أن يتم رفع الحجر عن المجنون أو المعتوه 
أما إذا صدر تصرف من المجنون أو المعتوه قبل شهر قرار المحكمة بالحجر عليه فان هذا التصرف يقع صحيحا , إلا في حالتين يكون فيهما التصرف باطلا :


- الحالة الأولى : هي الحالة التي يكون فيها الجنون أو العته شائعاً وقت التعاقد , أي تكون حالة الجنون أو العته معلومة من أغلب الناس المحيطين بالمجنون أو المعتوه في عمله , أو في مكان إقامته ولو كان المتعاقد مع المجنون أو المعتوه لا يعلم بها شخصياً . 


- الحالة الثانية : هي الحالة التي يكون فيها الطرف الآخر الذي تعاقد مع المجنون أو المعتوه على علم بحالة الجنون أو العته عند إبرام التصرف , ولو كانت هذه الحالة غير شائعة , كما لو كان هذا الشخص هو طبيبه المعالج .]


لكن قانون الأحوال الشخصية جاء بحكم يتعارض في هذا الصدد مع حكم القانون المدني , فقد نصت الفقرة الأولى من المادة 200 من قانون الأحوال الشخصية السوري على أن :
" المجنون و المعتوه محجوران لذاتهما ويقام على كل منهما قيم بوثيقة " .
فهذه المادة تعتبر المجنون و المعتوه محجورين لذاتهما دون حاجة إلى صدور القرار عن المحكمة بالحجر عليهما , وبالتالي فان تصرفاتهما تعتبر باطلة بمجرد ثبوت حالة الجنون أو العته , وهذا يعني أنه لم يعد هناك ضرورة للتفريق الذي يأخذ به القانون المدني بين تصرفات صادرة بعد شهر قرار الحجر وتصرفات صادرة قبله , باعتبار أن الجنون و العته لا يستدعيان صدور قرار من المحكمة بالحجر على المجنون و المعتوه , إذ هما محجوران لذاتهما .
وعلى هذا لا يمكن تفسير هذا التعارض بين حكم المادة 200 من قانون الأحوال الشخصية وحكم المادة 115 من القانون المدني إلا على أساس أن المادة 200 من قانون الأحوال الشخصية قد ألغت إلغاء ضمنياً المادة 115 من القانون المدني , باعتبار أن قانون الأحوال الشخصية قد صدر عام 1953 بعد صدور القانون المدني عام 1949 .


2 - السفه والغفلة:

السفيه هو الذي يبذر أمواله ويضعها في غير مواضعها بإنفاقه ما يعد من مثله تبذيراً .
أما المغفل فهو الذي تغلب عليه الغفلة في أخذه وعطائه , ولا يعرف أن يحتاط في معاملته لبلاهته .
وقد سوى القانون في الحكم بين السفيه وذي الغفلة واعتبر كلاً منهما ناقص الأهلية كالصبي المميز . وهذا ما قضت به المادة 48 من القانون المدني السوري بقولها : 
" كل من بلغ سن التمييز ولم يبلغ سن الرشد وكل من بلغ سن الرشد وكان سفيها أو ذا غفلة يكون ناقص الأهلية وفقا لما يقرره القانون " .
ولكن يشترط لاعتبار السفيه والمغفل ناقصي الأهلية كالصبي المميز أن يكون قد صدر قرار من المحكمة بالحجر عليهما . وبهذا قضت المادة 116 من القانون المدني السوري بقولها :
" 1 ـ إذا صدر تصرف من ذي الغفلة أو من السفيه بعد شهر قرار الحجر سرى على هذا التصرف ما يسري على تصرفات الصبي المميز من الأحكام .
2 ـ أما التصرف الصادر قبل شهر قرار الحجر فلا يكون باطلاً أو قابلاً للإبطال إلا إذا كان نتيجة استغلال أو تواطؤ " .
كما أيدت هذا الحكم الفقرة الثانية من المادة 200 من قانون الأحوال الشخصية السوري التي نصت على أن :
" السفيه والمغفل يحجران قضاء وتصرفاتهما قبل القضاء نافذة ويقام على كل منهما قيم بقرار الحجر نفسه أو بوثيقة على حدة " .


وعلى هذا :
ـ أولاً ـبعد شهر قرار المحكمة بالجحر على السفيه أو ذي الغفلة تأخذ تصرفاتهما حكم تصرفات الصبي المميز :
فتصرفاتهما النافعة نفعاً محضاً تكون صحيحة , 
وتصرفاتهما الضارة ضرراً محضاً تكون باطلة ,
وتصرفاتهما الدائرة بين النفع والضرر تكون قابلة للإبطال لمصلحة السفيه أو ذي الغفلة .
ويبقى الأمر كذلك إلى أن يتم رفع الحجر عن السفيه أو المغفل بقرار من المحكمة , غير أن المشرع خرج على هذه القاعدة في حالتين استثنائيين :


الحالة الأولى : أجازت الفقرة الأولى من المادة 117 من القانون المدني السوري للمحجور عليه لسفه أو غفلة إجراء تصرفين من التصرفات الضارة ضرراً محضاً , هما الوقف والوصية , بشرط أن تأذن المحكمة في ذلك .


الحالة الثانية : اعتبرت الفقرة الثانية من المادة 117 من القانون المدني السوري أعمال الإدارة الصادرة من المحجور عليه لسفه المأذون له بتسلم أمواله صحيحة في الحدود التي رسمها القانون .ثم جاءت بعد ذلك المادة 201 من قانون الأحوال الشخصية فاعترفت بهذا الحق للسفيه والمغفل معاً , حيث نصت على أنه : 


"للقاضي أن يأذن بتسـليم المحجور عليه للسفه أو الغفلة جانباً من أمواله لإدارتها , وتسري عليه أحكام القاصر المأذون " .


 ـ ثانياً ـأما قبل شهر قرار المحكمة بالحجر على السفيه أو المغفل , فيعتبر كل منهما كامل الأهلية , وتكون جميع التصرفات الصادرة من أحدهما صحيحة حتى ولو كانت ضارة ضرراً محضاً , إلا أن المشرع استثنى حالتين وأعطاهما حكم تصرفات السفيه وذي الغفلة الصادرة بعد شهر قرار الحجر عليهما:


1 ـ الحالة الأولى : هي الحالة التي يكون فيها تصرف السفيه أو المغفل نتيجة استغلال الطرف الآخر , كما لو علم شخص بعارض السفه أو الغفلة لدى شخص آخر فيستغل وضعه ويجري معه صفقة تحقق له فائدة أو مصلحة على حساب السفيه أو المغفل . 


2 ـ الحالة الثانية : هي الحالة التي يكون فيها تصرف السفيه أو المغفل نتيجة تواطؤ بين السفيه أو المغفل وبين المتعاقد الآخر , كما لو علم السفيه أو المغفل بأنه سيتم طلب الحجر عليه قريباً من قبل ذويه فيسرع إلى التعاقد مع شخص آخر يعلم بالأمر ويتصرف له ببعض أمواله لتلافي آثار قرار الحجر المرتقب .


فمثل هذه التصرفات التي تصدر قبل شهر قرار الحجر وتكون نتيجة استغلال أو تواطؤ تأخذ حكم التصرفات التي تتم بعد شهر قرار الحجر على السفيه والمغفل , فتكون باطلة إذا كانت ضارة ضرراً محضاً , وقابلة للإبطال إذا كانت دائرة بين النفع والضرر . وفي ماعدا ذلك تكون جميع تصرفات السفيه والمغفل قبل شهر قرار الحجر صحيحة , ويعتبر السفيه أو المغفل كامل الأهلية بالنسبة إليها .